كانت قائمة الضيوف مثيرة للإعجاب على الرغم من أن المناسبة كانت مجرد حفل لافتتاح قاعة مؤتمرات. ولكن وجود سفير الولايات المتحدة وحاكمة الولاية وغيرهما من كبار المسؤولين كان دليلاً على الاعتراف بالدور الرئيسي الذي يلعبه زعماء القبائل في حل الصراعات بولاية واراب وفي نظام العدالة المختلط في جنوب السودان.
ولا تعد واراب فقط واحدة من أفقر ولايات جنوب السودان العشر، بل هي أيضاً من بين أكثر الولايات تضرراً من العنف القبلي. ففي حادث واحد وقع في يناير 2010 على سبيل المثال، قتل 140 شخصاً في غارة لسرقة الماشية، وسرقت عدة آلاف منها.
وتخلق مثل هذه الغارات، والنزاعات الأقل فتكاً بين مختلف القبائل والأفراد، طلباً كبيراً على آليات للتعويض والعدالة العقابية ومنتديات للتفاوض حول إعادة الممتلكات المسروقة. وكانت القوى الاستعمارية في السودان قد كلفت زعماء القبائل بهذه الواجبات حيث عملوا في أسفل الهرم القضائي الذي كان يجمع بين عناصر القانونين العرفي والرسمي.
ولكن خلال عقود من الحرب الأهلية التي تلت استقلال السودان عام 1956، والتي استمرت حتى عام 2005، باستثناء فترة انقطاع واحدة فقط، انهار النظام القانوني الرسمي بالكامل تقريباً في الجنوب، وتعرضت قدرة زعماء القبائل على إقامة العدل وتسوية النزاعات لخطر شديد وسط ضباب الحرب.
المرونة
وتعد محاكم زعماء القبائل الجزء الوحيد الفعال من النظام القضائي في أجزاء كثيرة من جنوب السودان. وقد أفاد تقرير أصدره معهد الوادي المتصدع ومعهد الولايات المتحدة للسلام مؤخراً، أنه "يسهل الوصول إلى هذه المحاكم، كما أنها معروفة وفعالة ورخيصة نسبياً، مما يضمن تحقيق العدالة بشكل جيد وبصورة مدهشة في السياق العام".
كما ذكر التقرير أنه "كثيراً ما يعبر الناس عن تفضيلهم لمثل هذه التسويات المرنة [التي تقدمها محاكم زعماء القبائل] عن طريق التفاوض، والتي تأخذ في الاعتبار السياقات الاجتماعية الخاصة بالمنازعات، بدلاً من أي تطبيق صارم للقوانين المكتوبة".
ومنذ وصولها إلى السلطة بعد اتفاق السلام الشامل عام 2005، تعمل حكومة جنوب السودان - التي تتمتع حالياً بحكم شبه ذاتي ومن المرجح أن تصبح مستقلة تماماً بعد إجراء استفتاء يناير - من خلال قانون الحكم المحلي لعام 2009 من أجل إحياء وتعزيز نظام قانوني يلعب فيه زعماء القبائل ومحاكمهم دوراً حاسماً.
ومع افتتاح قاعة المؤتمرات في كواجوك عاصمة واراب، أصبح لدى زعماء القبائل أخيراً المكان، الذي دفعوا جزءاً من تكلفته من رواتبهم الخاصة، والذي يستطيع مجلس السلطة التقليدية أن يجتمع فيه لمناقشة القضايا الملحة وتبادل الأفكار حول تطبيق العدالة المحلية.
دور المصالحة
وقال باري ووكلي، القنصل الأمريكي العام في جنوب السودان، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أثناء الافتتاح: "في عام 2010، تأثرت واراب أكثر من غيرها من الولايات من العنف القبلي، وينبغي على زعماء القبائل لعب دور كبير في جهود المصالحة".
ويشاركه الرأي جوك مادوت جوك، أستاذ التاريخ في إحدى الجامعات الأميركية، الذي ينحدر أصلاً من ولاية واراب وهو محلل متمرس على ديناميكيات الصراع في بلاده. وأضاف جوك، الذي يعمل الآن كوكيل وزارة لشؤون الثقافة في حكومة الجنوب، أن "دور زعماء القبائل هام بوصفهم حراس التقاليد، ولديهم فهم للقيادة يستند إلى قربهم من الناس. كما أن الحكومة تعتبرهم جسراً بين سكان الريف والحكومة المركزية".
وقال الزعيم القبلي غون مادول غون من مقاطعة قوقريال الغربية: "كزعيم قبيلة، يجب أن تفهم الأمور التي تؤدي إلى الاختلاف، والتي يحتمل أن ينتج عنها جرائم،" مقدماً الخلافات الأسرية حول المهر والزنى كأمثلة على الحالات الكثيرة التي يتم الفصل فيها في المحكمة العرفية في منطقته.
أهمية التقاليد
وقالت حاكمة ولاية واراب نياندينق مليك، المرأة الوحيدة التي تشغل هذا المنصب: "بوصفي رئيسة لحكومة ولاية واراب، أنا على علم بأن السلطات التقليدية على قدر من الأهمية ...علينا أن نعيد إليهم حقوقهم من أجل مناصرة حقوق الإنسان". كما تعهدت مليك بالعمل بشكل وثيق مع أكثر من 800 زعيم قبلي في مختلف أنحاء واراب لتعزيز السلام والاستقرار قبل الاستفتاء وبعده.
من جهته، قال ديل رمدينغ، عضو المجلس المحلي بحكومة الجنوب، أن على الزعماء القبليين "منع الصراعات القبلية وتسويتها من خلال تطبيق القانون العرفي السلمي وتفعيل الآليات التقليدية لتسوية النزاعات والوساطة.
mf/am/mw-ais/dvh