في التاسعة صباحاً تتجمع النساء المقيمات في قرية كاندال شمال العراق في ساحة المسجد المحلي المورفة. لكنهن لم يأتين إلى هنا للصلاة، بل لزيارة الطبيب، وهي فرصة نادرة في هذا الجزء من البلاد.
تقع كاندال على طريق رئيسي مزدحم يربط أربيل عاصمة المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال العراق، بكركوك، إحدى المناطق العديدة المتنازع عليها. وتقع القرية في قضاء مخمور في محافظة كركوك، وتدعي كل من الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان ملكيتها لأراضي القرية.
وكان من المفترض إيجاد حل لوضع الأراضي المتنازع عليها عن طريق استفتاء يتم إجراؤه قبل نهاية عام 2007، لكن هذا الاستفتاء لم يجر قط. وفي الوقت نفسه، وقع سكان هذه المنطقة ضحية هذا الخلاف، إذ لا يرغب أي من الجانبين تقديم الخدمات الأساسية لهم.
وقال جوان عبد الله، وهو مدرس لغة انجليزية في مدرسة القرية الصغيرة: "هذا المكان ليس دولة. ليس لدينا حكومة أو طبيب أو مستشفى. كما لا يوجد لدينا رقم [هاتف] لحالات الطوارئ، ونحن بحاجة إلى كل هذا".
ولا توجد سوى عيادة واحدة صغيرة في بلدة مخمور القريبة تخدم 9 قرى في المنطقة، التي يبلغ مجموع سكانها حوالي 300 أسرة. كما أن العيادة صغيرة ومخصصة للممارسة العامة وغير مجهزة للتعامل مع العديد من الحالات.
وقال مختار القرية: "كُسرت ذراع ابني أثناء لعب كرة القدم، لكنهم أعطوه مسكناً للألم فقط ونصحونا بالذهاب إلى مستشفى الطوارئ في أربيل،" الذي يبعد حوالي 100 كيلومتر.
السقوط من الحسابات
وترغب حكومة إقليم كردستان في بناء مستشفى دائم في المنطقة، وفقاً لرعد نجم الدين، مدير الخدمات الطبية في مديرية الصحة بمدينة اربيل، لكن الوضع السياسي في المنطقة يعني أنه سينظر إلى أي محاولة للقيام بذلك على أنها محاولة للاستيلاء على الأرض.
وأضاف أن "المشكلة، كما أراها، هي أنك إذا بنيت مركزاً صحياً، سيتم تخصيص هذه الأرض لوزارة الصحة [في حكومة إقليم كردستان]، ولذلك سوف تصبح هذه الأرض مملوكة بشكل دائم للوزارة ... وقد يظنون أننا نستولي على الأراضي بهذه الطريقة. لذلك فإن الأمر حساس".
بدلاً من ذلك، تعتمد هذه القرى على زيارات المستشفى المتنقل التابع لحكومة إقليم كردستان - التي تضم وحدة جراحة، ووحدة طب أسنان، ومختبراً، وأجهزة أشعة سينية وموجات فوق صوتية ووحدة دعم لأمراض النساء، فضلاً عن فريق متنقل وسيارات إسعاف مزودة بأدوية ومعدات بسيطة. لكن هذه الزيارات تحدث مرة واحدة فقط أو مرتين في العام.
ولدى الحكومة الكردية خطط لإنشاء وحدة طوارئ في منتصف الطريق بين أربيل ومخمور من شأنها أن تخدم المنطقة وتتيح للسكان الحصول على رقم للطوارئ وسيارات إسعاف.
لكن في الوقت نفسه، يعني عدم توفر أي خدمات طوارئ أن وسائل النقل تمثل مشكلة، لاسيما بالنسبة للنساء في كاندال، اللائي لم يتدربن على قيادة السيارات.
وقالت إمرأة تدعى بيريفان أن عيادة مخمور شخصت حالتها على أنها التهاب كلوي وطلبت منها العودة لمتابعة العلاج، لكنها لم تتمكن من قطع المسافة 10 كيلومترات للقيام بذلك.
"زوجي من البيشمركة [عضو في قوات الأمن الكردية] لكنه ليس هنا ليأخذني. وبدون سيارة، عليك أن تقف على جانب الطريق وتنتظر أن يصطحبك شخص ما".
يمكن أن تستغرق الرحلة إلى المستشفى في اربيل أكثر من ساعة - وأحياناً يكون هذا الوقت نقطة فاصلة بين الحياة والموت. وتجربة عمة بيريفان خير مثال على ذلك، حيث قالت: "في صباح أحد الأيام كانت تلهث بشدة، فأخذناها إلى العيادة في مخمور، لكنهم قالوا أن عليها السفر إلى اربيل. ثم توقفت عن التنفس وماتت في السيارة أثناء الرحلة".
الرعاية المتنقلة للنساء
وبسبب التحدي الخاص الذي تواجهه النساء للحصول على الرعاية الصحية، تعاونت منظمة ستارت (START)، وهي منظمة لتمكين المرأة، مع وزارة الصحة في إقليم كردستان لتقديم خدمات صحية متنقلة في المنطقة، مع التركيز على النساء والأطفال. وبتمويل من السفارة الفرنسية، سوف ترسل هذه المنظمة غير الحكومية طبيباً عاماً إلى واحدة من ست قرى في المنطقة كل أسبوع خلال الأشهر الثلاثة القادمة لتوفير الرعاية الصحية الأساسية والاستجابة للاحتياجات المتعلقة بأمراض النساء.
وقالت عفيفة سيد، وهي طبيبة في الفريق الطبي الزائر: " نتابع مع النساء إجراءات تنظيم الأسرة الخاصة بهن. لديهن العديد من الاطفال هنا، ولذلك فإننا نفحصهن ونوفر لهن الواقيات وأقراص منع الحمل واللولب... كل شيء قابل للنقل. ولدينا جميع أنواع الأدوية".
وهذا هو البرنامج الثاني من نوعه الذي تنفذه منظمة ستارت، ولدى الحكومة العراقية برنامج مماثل في المناطق الأخرى المتنازع عليها. لكن عندما ينفد تمويل هذه البرامج، سيضطر السكان إلى العودة مرة أخرى إلى المربع الأول.
كما أن النظام الغذائي السيء الذي يتسم بارتفاع نسبة السكر يؤثر سلباً على الصحة المحلية والصيادلة المحليون ليسوا بديلاً ملائماً للرعاية الطبية المدربة، كما أشارت سيد.
وأضافت أن السكان "هنا لديهم مرضان مزمنان هما ارتفاع ضغط الدم والسكري. فحالتهم العامة ليست جيدة ومن المهم جداً توفير مستشفى في نفس المكان لمتابعة أحوالهم كل يوم. ذهبت إلى خمس قرى قبل هذه القرية: لا توجد مستشفيات. يجب أن يكون في كل قرية مركز صحي أو مركز متنقل كل يوم. كل يوم، وليس كل أسبوع".
وبحلول وقت الغداء، كانت سيد قد فحصت 55 إمرأة.
وكانت إحدى المرضى، التي طلبت عدم ذكر اسمها، تعاني من التهاب الملتحمة. وقالت سيد أنها "أُعطيت الدواء الخطأ" من قبل صيدلي محلي، "وهي الآن مصابة بنزيف في عينيها".
ويقوم برنامج الصحة أيضاً برفع الوعي حول قضايا صحة المرأة، مثل سرطان الثدي وختان الإناث الذي يمارس في كردستان العراق، وتدريب الفتيات على الإسعافات الأولية واستخدام الدواء. وأفاد مدير منظمة ستارت سافين علي أن "هؤلاء الفتيات سوف تصبحن جهات التنسيق في أي خدمات صحية وأي حملات توعية مستقبلية".
ويهدف البرنامج أيضاً إلى الكشف عن الاحتياجات الصحية في المنطقة.
وأضاف علي أن "[سبب] جلب موظفي حكومة إقليم كردستان وحافلاتهم هو لفت انتباههم إلى حقيقة أن هذه المنطقة بحاجة إلى مستشفى. يمكن لوحدة طبية متنقلة أن تساعد على المدى القصير، لكنهم يحتاجون على المدى الطويل إلى بناء مستشفى هنا".
hg/ha/rz-ais/dvh
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions