حذر خبراء في مجال البيئة من أن خطة الأردن لإنقاذ البحر الميت من التقلص عن طريق تمرير المزيد من المياه إليه من البحر الأحمر قد تلحق أضراراً بالبيئة. ولكن في الوقت نفسه يرى الخبراء أن عدم اتخاذ أي خطوات في هذا الشأن قد يؤدي إلى كارثة بيئية واقتصادية وبشرية.
وفي الوقت الحالي يتم دراسة مشروعين مقترحين يتعلقان بالمياه في الأردن: الأول هو قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت وتهدف إلى إنقاذ البحر الميت عن طريق سحب ما لا يقل عن 2.5 مليار متر مكعب من المياه من البحر الأحمر وضخها إليه.
أما الثاني فهو مشروع تطوير البحر الأحمر الذي يهدف إلى معالجة النقص الحاد في المياه الصالحة للشرب في المملكة وذلك عن طريق ضخ المياه من البحر الأحمر عبر خطوط الأنابيب إلى محطة تحلية مياه سيتم إنشاؤها لتُدار بالطاقة النووية. ومن المتوقع أن تنتج هذه المحطة حوالي 700 مليون متر مكعب من مياه الشرب سنوياً عندما تعمل بكامل طاقتها.
وهناك بعض التداخل بين المشروعين لأن كليهما يتطلب أن يتم ضخ المياه إليه من البحر الأحمر مما جعل بعض الخبراء يرون أنه يمكن تنفيذهما في آن واحد. غير أن خبراء البيئة يقولون أن المشروعين قد يؤديا إلى مشاكل أكثر من التخفيف منها.
وفي هذا الصدد، قال المهندس منقذ مهيار، رئيس مجلس الإدارة والمدير المشارك لجمعية "أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط" أن هناك حاجة لدراسة تأثير استخراج 2.5 مليار متر مكعب من المياه من البحر الأحمر سنوياً لمشروع (قناة البحر الأحمر والبحر الميت) وهو ما يعني 60 متراً مكعباً في الثانية الواحدة. فضخ هذه الكمية من المياه سيؤثر بالتأكيد على تيارات خليج العقبة والشعاب المرجانية فيه.
كما حذر مهيار من الآثار السلبية التي قد تنجم عن اختلاط المياه المالحة من البحر الأحمر مع مياه البحر الميت المعروفة بوفرة المعادن فيها.
تقلص منسوب مياه البحر الميت
ويعتبر البحر الميت أدنى نقطة على سطح الأرض حيث يصل ارتفاعه إلى نحو 400 متر تحت مستوى سطح البحر. وتصل درجة ملوحة مياهه 10 أضعاف مثيلتها في مياه المحيطات. كما خلف التركيب الكيميائي المميز ونقطة التقاء المياه العذبة بالمالحة بيئة إيكولوجية فريدة ذات أهمية دولية.
لكن ثمة تغيرات تطرأ على البحر الميت وبيئته نتيجة للانخفاض الحاد في تدفق المياه من نهر الأردن، والتي تم تحويلها على نحو متزايد للاستخدام الزراعي والصناعي. وتشير الأرقام الأخيرة الصادرة عن وزارة المياه والري الأردنية إلى أن تدفقات المياه إلى البحر الميت تشكل 10 بالمائة فقط مما كانت عليه في فترة الستينيات.
وقد فقد البحر الميت أكثر من ثلث مياهه السطحية في العقود القليلة الماضية بسبب التبخر والاستخدامات الصناعية، وذلك بحسب البيانات الواردة من البنك الدولي.
إضافة إلى ذلك، ينخفض مستوى الماء في البحر الميت بنحو متر واحد سنوياً، وهو المعدل الذي يرى العلماء أنه سيؤدي إلى جفاف البحر الميت في غضون السنوات الـ 50 القادمة إذا لم يتم اتخاذ أيه إجراءات لوقفه. كما يرى العلماء أن لانخفاض مستوى المياه عواقب بيئية واجتماعية واقتصادية بعيدة المدى على منطقة البحر الميت وخارجها.
وعليه، جاءت الاستجابة في صورة مشروع مقترح للربط بين البحر الأحمر والبحر الميت، الذي يضم قناة أو أنبوب يبلغ طوله 250 كلم ويمتد من ميناء العقبة في الأردن عن طريق وادي عربة الى منطقة جنوب البحر الميت بتكلفة تصل إلى12 مليار دولار. ويتم حالياً إجراء تقييم للأثر البيئي للمشروع بتمويل من البنك الدولي.
المشروع المقترح لتحلية المياه
وقد أعلنت الحكومة الأردنية أنها ستمضي قُدماً في مشروع إنقاذ البحر الميت مهما كانت التكاليف. ومع ذلك، ونتيجة لتأخر المساعدات الدولية لبدء هذا المشروع، ترغب الحكومة في البدء في تنفيذ مشروع تطوير البحر الأحمر الذي ينطوي على ضخ المياه من البحر الأحمر عبر خطوط الأنابيب.
وفي هذا الإطار، قال فايز البطاينة، مدير مشروع قناة البحر الأحمر والبحر الميت في وزارة المياه والري الأردنية: "لقد حددنا جزءاً صغيراً من مشروع قناة البحر الميت وقررنا البدء في مشروع لتحلية المياه في أقرب وقت ممكن لأن الأردن يواجه نقصاً خطيراً في المياه، ويجب علينا توفير حل عاجل لمعاناة شعبنا".
ومن المقرر أن يتم تنفيذ مشروع تطوير البحر الأحمر الذي تم الإعلان عنه في شهر مايو، بواسطة شركات خاصة وبدعم من وزارة المياه والري الأردنية وهيئة الطاقة الذرية الأردنية. وسيتم تنفيذ المشروع على خمس مراحل، ومن المتوقع أن يستغرق استكماله ما بين 25 إلى 30 عاماً.
وفي البداية سيتم نقل المياه التي تولدها المحطة إلى منطقة العقبة ثم إلى العاصمة الأردنية عمّان بعد ذلك. كما سيتم صرف المحلول الملحي الناتج من عملية تحلية المياه في البحر الميت، مما سيساعد في الحد من تناقص منسوب المياه فيه.
الصورة: موسوعة ويكيميديا كومنز |
رجل يستمتع في مياه البحر الميت التي تشتهر بارتفاع درجة ملوحتها. تجتذب هذه المنطقة مئات الآلاف من السياح سنوياً |
من ناحية أخرى، حذر خبراء في مجال البيئة مثل المهندس منقذ مهيار من جمعية "أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط" من التأثير البيئي لمشروع تطوير البحر الأحمر. وقال مهيار أن "هذا المشروع ليس صديقاً للبيئة. فضخ هذه الكمية من المياه يتطلب واحدة من أكبر محطات الضخ في العالم. وسيتم تشغيل المحطة بواسطة الطاقة النووية أو عن طريق بناء محطة كهربائية خاصة لهذا الغرض، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الانبعاثات".
حلول بديلة؟
وقد حثّ بعض خبراء البيئة الحكومة الأردنية على النظر في طرق بديلة لإنقاذ البحر الميت، حيث قال محمد مصالحة، رئيس جمعية البيئة الأردنية أن تقليل كمية المياه التي يتم سحبها من نهر الأردن، الذي يصب في البحر الميت، يمكن أن تساعد في إنقاذ البحر الميت.
لكن مسؤولين حكوميين قالوا إنه من الصعب إقناع سوريا وإسرائيل بتقليل كميات المياه التي يتم سحبها من نهر الأردن.
وقال البطاينة، مدير مشروع قناة البحر الميت–البحر الأحمر، أنه لا يوجد بديل آخر سوى المضي قدماً في تنفيذ المشروع. وأضاف أنه يتم إجراء دراستين بواسطة شركات فرنسية وبريطانية لتحديد أنسب الأساليب الاقتصادية والبيئية والفنية لتنفيذ هذا المشروع.
وقال مهيار والبطاينة أن إجهاض هذا المشروع من شأنه أن يؤدي إلى كارثة بيئية وبشرية. وأضافا أن هناك عدداً متزايداً من الثقوب التي بدأت تظهر في السواحل الجنوبية للبحر الميت نتيجة لتقلص منسوب المياه.
ثقوب بالوعية
الصورة: موسوعة ويكيميديا كومنز |
هناك عدد متزايد من الثقوب في السواحل الجنوبية للبحر الميت نتيجة لتقلص منسوب المياه |
وقد تم إجلاء عشرات المزارعين وأسرهم من المناطق القريبة من البحر الميت بعد ظهور عدد متزايد من الثقوب التي وصل بعضها إلى نحو خمسة أمتار اتساعاً وعمقاً.
وقد ظهر نحو 800 ثقب في الجانب الأردني من البحر الميت على مدار العقد الماضي ويوجد قرابة 1,200 ثقب آخر على الجانب الإسرائيلي والفلسطيني.
وقال مهيار: "يتم هجر الكثير من الأراضي الزراعية كما تتعرض المزارع للتدمير. وحتى المنازل والمصانع يتم اجلاؤها بسبب الثقوب".
mbh/ed/cb - hk/dvh
"