كان مقتل ياسين جريمة واحداً فقط من سلسلة من عمليات القتل والاختفاء الغامضة في الأراضي العراقية المتنازع عليها، والتي تسيطر عليها رسمياً الآن حكومة إقليم كردستان، التي تحكم منطقة كردستان المتمتعة بحكم شبه ذاتي في شمال العراق. لا توجد أدلة تُذكر على هوية الجناة في تلك الجرائم، ولكن هويات القتلى تتبع اتجاهاً سائداً - غالبية الضحايا من المسلمين السنّة العرب، الذين نزحوا بالفعل بسبب النزاع في كثير من الأحيان.
وكانت أسرة ياسين قد هربت من قريتهم في محافظة ديالى في شرق العراق قبل أكثر من عام، خوفاً من زحف ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية. وفي حين أن هؤلاء المسلحين ينتمون إلى طائفة المسلمين السنّة الذين اضطهدوا جماعات يعتبرونها كافرة، مثل الشيعة واليزيديين، فإنهم لم يظهروا الرحمة أيضاً تجاه أفراد الطائفة السنيّة الذين يقاومون تفسيرهم المتطرف للإسلام.وخلال بحثها عن الأمان، اتجهت أسرة ياسين شمالاً نحو الهدوء النسبي في إقليم كردستان، وانتهي بهم المطاف في سنغور وهي قرية شبه مهجورة قرب مدينة كركوك المتنازع عليها.
ثم أخذت الأمور منعطفاً إلى الأسوأ عندما اعتُقل اثنان من أبنائهم في بلدة قريبة من طوز خرماتو بسبب ضلوعهما في حادث سيارة بسيط. ووفقاً للنازحين في سنغور، فإن مستويات العنف ضد العرب السنّة في طوز مرتفعة لدرجة تجعل من الأفضل لعائلات مثل أسرة ياسين أن تتجنب تلك المدينة، ولكن الوالدين اضطرا لزيارة ابناهما.
وعلى امتداد الطريق بين كركوك وطوز خورماتو، الذي يبلغ طوله 70 كيلومتراً، تنتشر قوات الأمن الكردية وقواعد الميليشيات الشيعية، بما في ذلك فيلق بدر السيء السمعة. وتواجه كل هذه الجماعات المسلحة اتهامات بحمل ضغائن ضد العرب السنّة لأنهم غالباً ما يشتبهون في تعاطفهم مع تنظيم الدولة الإسلامية.
قُتل ياسين بعد إحضار الطعام والدواء لابنيه المسجونين خلال شهر رمضان. وقالت زوجته أنه كان مصاباً بالسكر: "كان رجلاً مريضاً ومسناً، ولكن من الواضح أنهم كانوا يراقبونه".
وقال سعد محمد، وهو مدرس نازح يعيش في سنغور: "نحن لا نعرف من يرتكب جرائم القتل. لا نعرف من هو العدو".
الخوف هو السائد ...
وفي مركز توزيع تابع للجنة الدولية للصليب الأحمر في طوز خورماتو، كان النازحون الذين يتسلمون حزماً كبيرة من المساعدات يبدون عصبية عند الحديث عن العنف. وعندما بدأ عدد من النساء مناقشة الهجمات، قائلات أنهن خائفات من "الانتقام"، أمرهن مسؤول في الاستخبارات الكردية يرتدي ملابس مدنية ويشرف على التوزيع بالتزام الصمت.
شرح عبد الكريم، وهو أصلاً من محافظة ديالى، الوضع قائلاً: "تنقسم طوز خرماتو إلى قسمين: الجمهورية التي تديرها الشرطة الكردية ولا تعاني من أي مشاكل، ولكن الحي العسكري يخضع لسيطرة الميليشيات الشيعية. وسوف يجد السنّة مشاكل هناك".
وأضاف: "لا أستطيع أن أفهم بالضبط ما يحدث، ولكن الناس يختفون. في بعض الأيام، يختفي أربعة أشخاص، وفي بعض الأيام ستة أشخاص".
وكان محمد حسن يحضر توزيع المساعدات مع أربعة من أشقائه. وخفض صوته وهو يقول: "عندما جاء تنظيم الدولة الإسلامية، نشر جو العداء في المدينة ومن ثم بدأ استهداف الطائفة السنيّة". ولحماية أنفسهم، "لا ينتقلون إلا عندما يكون ذلك ضرورياً".
وفي هذا الإطار، قد يجتذب جمع كبير من النازحين العرب السنّة النوع الخطأ من الاهتمام. وتعالت صيحات بينما كان الناس يحاولون مغادرة مركز التوزيع بسرعة ويراكمون البطانيات والصناديق في شاحنات مشتركة.
وتجدر الإشارة إلى أن الخوف يمنع العديد من النازحين في سنغور حتى من دخول طوز خرماتو لتسجيل أسمائهم من أجل الحصول على منحة نقدية من الحكومة. وأشار سعد إلى أنهم "لا يستطيعون الذهاب إلى طوز للتسجيل بسبب عمليات القتل".
ونظراً لأنهم يواجهون أيضاً قيوداً على السفر إلى مدينة كركوك، فإنهم يضطرون إلى الاعتماد على المساعدات القليلة التي تصل إليهم. وقد قدمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعض المساعدة في سنغور، وتدير منظمة أطباء بلا حدود عيادة طبية أسبوعية تشتد حاجة للنازحين إليها. ولكن لا يزال انقطاع المياه الجارية مستمراً - تضيف أسرة ياسين مواد كيميائية إلى مياه النهر لجعلها صالحة للشرب.
من جانبه، نفى الرائد كمال من الأسايش (جهاز الاستخبارات الكردي) في طوز تورط قواته في أي من حالات الاختفاء المبلغ عنها.
وقال: "في مكتبنا، يتم القبض على المعتقلين بدون أمر قضائي. وعندما نعتقل أحداً، لا نفعل ذلك على أساس عرقي أو طائفي، بل نلقي القبض عليهم [فقط] عندما نشتبه في أنهم يرتكبون أعمالاً إرهابية، أو على الأقل على اتصال مع منظمات ارهابية".
وأضاف أن هناك مخاوف أمنية مشروعة تتطلب المراقبة: "في طوز خورماتو، هناك حوالي 50 أسرة سنيّة عربية تحت سيطرتنا من حيث إجراء التحقيقات".
وكان تفجير انتحاري على حمام سباحة في طوز خورماتو قد خلف ما لا يقل عن 12 قتيلاً في شهر يوليو الماضي. وكان معظم الضحايا في ذلك اليوم من التركمان الشيعة. ومرة أخرى، لا تزال هوية منفذي الهجوم بمثابة لغز غامض.
cc/jd-ag-ais/dvh