في الوقت الذي يتابع فيه العالم بذهول الصور المرعبة للمناطق المنكوبة والجثث الطافية على وجه المياه في ميانمار، لا يرى سكان كون غيان غون، التي تبعد حوالي 55 كلم عن يانغون و8 كلم عن البحر، سوى القليل من علامات المساعدة. فقد تعرضت بيوت المدينة البالغ عددها 20,000 بيت لدمار كبير لم يبق على واحد منها.
وتحدثت ساندار، التي تعيش في قرية صغيرة تبعد حوالي 4 كلم عن كون غيان غون، عن محنتها قائلة: في حوالي الساعة الثامنة مساء [يوم 2 مايو/أيار]، وقعت شجرة جوز هند على بيتنا، فاضطررنا لمغادرته والبحث عن مأوى في مكان آخر. بدأ سكان القرية يشكلون مجموعات ويمسكون بأيدي بعضهم البعض حتى لا يتفرقوا أو يتوهوا. كان الظلام حالكاً ومخيفاً. نجحنا في الوصول إلى أحد البيوت ولكنه لم يكن آمناً أيضاً، فاضطررنا للانتقال إلى مكان آخر. وبعدها غمرت المياه كل المكان وفي غضون 20 دقيقة كان الماء يصل إلى ذقني.
كان التيار قوياً جداً والظلام حالكاً لدرجة لم نتمكن معها من معرفة أين كان التيار يجرفنا. كنا نصيح بأعلى صوتنا ولكننا لم نكن نسمع بعضنا البعض. وبعدها انقطعت السلسلة البشرية. أفلتت يد أمي والشاب الذي كان يحملها على ظهره، وبعدها أضعت الفتاة الصغيرة التي كنت أمسك بيدها من الناحية الأخرى والتي كانت تحمل ابني بالنيابة عني لأنني كنت منهكة جداً. جن جنوني وقتها. لم أتمكن من العثور عليهم بسبب الظلام الشديد الذي كان يعم المكان وبسبب قوة التيار. لقد ضاع ولدي. استغرقت رحلتي ساعتين كي أصل إلى المعبد وما أن وصلت حتى غبت عن الوعي.
وعندما طلع نور النهار، ذهبت إلى معبد أخي في المدينة وهناك وجدت ابني. لقد أنقدته الفتاة الصغيرة ميا سان يين، التي اتجهت إلى يانغون فيما بعد … لقد كان ذلك بمثابة المعجزة وأنا أعتبر نفسي جد محظوظة حيث تم إحضار أمي أيضاً إلى هنا واجتمع شملنا ثانية".
رائحة الموت في كل مكان
بالفعل كانت ساندار محظوظة دوناً عن غيرها من السكان الذين تناثرت جثثهم على جانبي الطريق الممتدة بطول 4 كلم تقريباً. كما كانت جثث الحيوانات النافقة تظهر من بين عيدان الخيزران... ورائحة الموت تعبق في كافة أرجاء المكان.
في القرية التالية، كان المبنى الوحيد الذي لا يزال قائماً هو المعبد الذي لجأ إليه 250 شخصاً. قدم الأطباء والممرضون برفقة الجيش وقدموا المساعدات للجرحى ووزعوا بعض المستلزمات الطبية. وفي طريق العودة طلب منا ملازم أول أن نقله في سيارتنا. وأثناء الرحلة علّق، وملامح الغضب تبدو على وجهه، قائلاً: "إن الجيش يعمل ما في وسعه... لا أستطيع أن أستوعب عدد القتلى... أشعر بالأسى، فقد رأيت الناس يغرقون أمامي ولكنني لا أستطيع السباحة فلم أتمكن من اللحاق بهم وإنقاذهم".
وفي المدينة، اتخذ الجيش مقراً له في بناية بنصف سطح وعلق عليها لافتة توضح دوره كمركز يوفر الخدمات الصحية ومواد الإغاثة. وأحاط حراس مسلحون بالمبنى الذي خُزنت فيه بعض أكياس الأرز وحاويات الزيت وبعض الأغطية البلاستيكية، وجلس فيه الكولونيل يحاول الاستجابة لطلبات القرويين الراغبين في التزود بما يغيثهم. وعلق الكولونيل على الوضع بقوله: "نحن بحاجة إلى الأرز. فشاحنات المطافئ تولت توزيع المياه النظيفة. وعلى حد علمنا، وصل عدد القتلى [في المنطقة] إلى 700 قتيل ولا زال 1,000 شخص آخر في عداد المفقودين".
الصورة: وكالة الأنباء الفرنسية/إيرين |
ناجون من إعصار نرجس يحاولون الحصول على الطعام في ضواحي يانغون، أكبر مدينة في ميانمار |
من جهته، أفاد طبيب أن الإسهال سينتشر في المكان ولكن الفرق الطبية لم تنته بعد من تقييمها بسبب رداءة الطرقات وصعوبة الوصول إلى بعض المناطق المتضررة. ولكنه أضاف: "يمكن للناس أن يتمتعوا بمقاومة تفوق مقاومة الفيروس. نحن في بورما معتادون على المصاعب".
كما تحدثت صحيفة "ذي نيو لايت أوف ميانمار" عن زيارة لرئيس الوزراء الجنرال تين سين للمناطق المتضررة وتقديمه 20 جهاز تلفزيون و10 أجهزة لتشغيل أقراص الفيديو و10 أجهزة استقبال للقنوات الفضائية لرئيس مجلس سلم وتنمية الدولة بمقاطعة إيراوادي.