أفضل صديق لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية هو الجهل، لذلك حان الوقت لكي نتنبه
القصة الكاملة لفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) لم تُرو بعد. هل كانت كوريا الجنوبية ستقع الآن في قبضة واحدة من أكبر حالات تفشي المرض على الإطلاق، إذا كان المزيد من الجهد قد بُذل في وقت مبكر لكشف أسراره؟
كانت إحدى السمات الرئيسية لفيروس كورونا هي أنه يعطي بعض التحذيرات قبل وصوله، ولكن لم يكن الحال كذلك مع مرض المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (السارس) الذي انتشر في أوائل عام 2003 بعد اختلاط طبيب صيني مصاب مع مسافرين من فيتنام وسنغافورة وكندا في فندق كاولون. في ذلك الوقت، لم يكن أحد يعرف أن هناك مرضاً ينتشر على قدم وساق.
أخذ الطبيب المريض للغاية رئتيه المملوئتين بالفيروس إلى نظام المستشفيات في هونج كونج، مما أدى إلى تفشي موجة هائلة من العدوى بين العاملين في مجال الرعاية الصحية وأسرهم. وبعد أن ذهبوا إلى منازلهم وأصبحوا مرضى، سرب نزلاء الفندق الالتهابات إلى نظم المستشفيات في بلدانهم.
وعلى النقيض من ذلك، قبل 33 شهراً بالتمام والكمال من تأكيد إصابة رجل أعمال من كوريا الجنوبية وإدخاله فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط إلى التنفسية بلاده، تم الكشف عن ظهور فيروس كورونا الجديد في تقرير من المملكة العربية السعودية نُشر في بروميد (PROMED)، وهو نظام للإبلاغ عن الأمراض وتفشيها يحظى بانتشار دولي واسع النطاق.
الكشف عن وجود الفيروس
وقد اشترك عالم الفيروسات المصري علي زكي مع مركز إيراسموس الطبي الشهير في هولندا لتحديد الفيروس الذي أصاب وقتل رجلاً في المملكة العربية السعودية في يونيو 2012. ولأن زكي، وليس وزارة الصحة السعودية، هو الذي كشف عن وجود فيروس جديد يشبه السارس، فقد تبين أن هذا العمل غير حكيم، وتم طرده بسرعة من وظيفته في المملكة وغادر البلاد.
وإذا نظرنا إلى الوراء، سنجد أن رد الفعل الرسمي الأولي ربما كان نذيراً لما هو آت. فعلى مدار ما يقرب من ثلاث سنوات، كانت المعلومات حول فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط إما تُكتنز بشكل ممنهج، أو يساء التعامل معها أو ربما لا يتم جمعها على الإطلاق.
ونتيجة لذلك، لا يزال العالم غير قادر على الإجابة على الأسئلة الأساسية حول فيروس كورونا وكيف يصيب الناس أحياناً. وما زاد الوضع تعقيداً أنه على مدار العام الماضي، باءت جهود مكافحة فيروس كورونا بالفشل، وطغى عليها تفشي فيروس الإيبولا الكارثي في غرب أفريقيا.
وفي هذا الصدد، قال كامران خان، وهو طبيب الأمراض المعدية، الذي يقوم بأبحاث عن الانتشار العالمي للأمراض في جامعة تورونتو: لقد تحول اهتمام العالم بشكل مفهوم إلى إدارة تلك الأزمة. وعلى الرغم من استمرار نضج متلازمة الشرق الأوسط التنفسية ببطء في بلدان شبه الجزيرة العربية، إلا أنها لم تتطور حتى الآن إلى تفش دولي يذكرنا بأنها لا تزال موجودة، ولا تزال تشكل خطراً".
وتجدر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تشهدان أوسع انتشار لهذا الفيروس، ونظراً لتدفق ملايين الحجاج سنوياً إلى المملكة والأعداد الكبيرة من العمال الأجانب، يبدو أن المملكة العربية السعودية تشكل أكبر خطر لتصدير فيروس كورونا إلى أجزاء أخرى من العالم.
ولكن لا يبدو أن هذه الدول قد أدركت تلك المخاطر تماماً، أو أخذت على عاتقها مسؤولية منع هذا النوع بالضبط من السيناريو الذي يتكشف الآن في كوريا الجنوبية.
ومن المرجح أن يؤدي المرض وعدد الوفيات (الذي يبلغ الآن 16)، والاضطراب الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن الخوف والصراع السياسي الذي تشهده كوريا الجنوبية إلى تكثيف الضغوط على بلدان المصدر - ومنظمة الصحة العالمية - من أجل التوصل إلى المزيد من الإجابات حول فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وكذلك استراتيجيات للحد من أضرارها.
يعرف بيتر بن مبارك، وهو الموظف المسؤول عن الأمور المتعلقة بهذا المرض في منظمة الصحة العالمية، أن ما يحدث في كوريا الجنوبية يمكن أن يحدث في أي مكان آخر: "ولذا، يجب علينا أيضاً استخدامه كحجة لبذل المزيد من الجهد في الشرق الأوسط".
المرة القادمة قد تكون أسوأ
ولكن خبير الأمراض المعدية مايكل أوسترهولم يشعر بالقلق من أن الدرس الذي سيتعلمه العالم من انتشار المرض في كوريا سيكون الدرس الخطأ.
"ما أخشاه هو أننا بمجرد أن ننتهي من كوريا، سيقول الناس 'ها نحن قادرون على السيطرة على هذا المرض، فلا تقلقوا'. ولن يلحظوا أننا قد لا نكون محظوظين بنفس القدر في المرة القادمة،" كما أوضح أوسترهولم، مدير مركز بحوث وسياسات الأمراض المعدية في جامعة مينيسوتا.
أبلغت 25 دولة عن ظهور حالات فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية حتى الآن. وقد ظهر في معظمها النوع الناجم عن السفر: السياح الذين أصيبوا بالفيروس خلال رحلات إلى المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو أثرياء الشرق الأوسط المصابون الذين يسافرون إلى الخارج للحصول على الرعاية الصحية عن طريق الإسعاف الجوي.
وقد ظهرت الغالبية العظمى من الحالات في المملكة العربية السعودية، التي أبلغت عن ظهور ما يقرب من 1,030 إصابة، كانت أكثر من 450 منها قاتلة. وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد حالات فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية في العالم حوالي 1,300 حالة، من بينها ما لا يقل عن 455 حالة وفاة.
اقرأ أيضاً: الاستعداد لمواجهة فيروس كورونا الشرق الأوسط قبل موسم الحج
وفي حين يُعتقد أن فيروس كورونا نشأ في الخفافيش، من المعروف الآن أن الإبل تلعب دوراً في انتشاره. وقد أكدت الدراسات المتعددة أن الجمل العربي (ذو السنام الواحد) يمكن أن يصاب بفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، على الرغم من أنه لا يجعل الإبل مريضة بشكل ملحوظ.
لا تُقبل ناقتك
وفي المملكة العربية السعودية وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط، تنتشر الإبل في كل مكان وتحظى بحب السكان. فهي توفر اللحوم والحليب، ويتم الاحتفاظ بها كحيوانات أليفة، وتشارك في السباقات. ولكن لم تكن التحذيرات بضرورة توخي الحذر عند الاختلاط بالإبل (لا تستهلك حليب الإبل غير المعالج أو لحومها غير المطهية جيداً، واغسل يديك بعد لمسها) ناجحة دائماً. ويصر أصحاب الإبل في تحد على أن حيواناتهم خالية من الأمراض ويشربون حليبها الطازج من الضرع مباشرة أمام الكاميرات، أو يحصلون على قبلات من الإبل التي يسيل لعابها لإثبات وجهة نظرهم.
هل هذا ما يصيب الناس بفيروس كورونا؟ لا نعلم. ماذا عن الأشخاص الكثيرين الذين أصيبوا بفيروس كورونا، لكنهم قالوا أنهم لم يختلطوا بأي إبل؟ لا يزال العالم لا يملك إجابة، وهذه حقيقة يصفها خان بأنها مفاجئة في هذه المرحلة المتأخرة.
وتتطلب الإجابة على هذه الأسئلة إجراء دراسة الحالات والشواهد، حيث يسأل خبراء الأمراض الوبائية الناس الذين تأثروا أو لم يتأثروا بفيروس كورونا، ومن ثم يقارنون البيانات الخاصة بتحركاتهم واتصالهم بالحيوانات والبشر، واستهلاكهم للطعام والشراب. ومن المحبط للعلماء الذين يدرسون الأمراض الناشئة أنه لا توجد حتى الآن دراسة حالات وشواهد منشورة عن فيروس كورونا.
اقرأ أيضاً: الدروس المستفادة من تفشي فيروس كورونا
وقد يكون هذا على وشك التغيير، إذ يُقال أن دراسة، نتجت عن التعاون مع علماء المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، في إحدى مراحل النشر. ولكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ستوفر الأجوبة اللازمة حول كيفية انتقال فيروس كورونا إلى البشر.
ولكن لماذا استغرقت كل هذا الوقت؟ بسبب نقص القدرة المحلية على القيام بهذا العمل؟ إذا كان الأمر كذلك، كان هناك عدد من الباحثين الخارجيين يعرضون تقديم المساعدة في إكمال الدراسة.
وفي أحاديث غير معلنة، اشتكى عدد من العلماء من أن زياد مميش، الذي شغل منصب نائب وزير الصحة السعودي في الأيام الأولى من ظهور فيروس كورونا، كان حريصاً على السيطرة على البيانات والعينات وإمكانية الوصول إليها، وعلى ذكر اسمه كمؤلف بارز لأي ورقة علمية تُنشر. وفي أول عامين من بحوث فيروس كورونا، طرأت زيادة هائلة على القسم الخاص بالمنشورات في السيرة الذاتية لمميش.
وتم فصل مميش ورئيسه من وظيفتيهما في ربيع عام 2014 عندما ارتفعت حالات الإصابة بفيروس كورونا في المملكة العربية السعودية بسبب انتشاره داخل المستشفيات التي تتبع ممارسات سيئة في مكافحة العدوى. ولكن أولئك الذين كانوا يأملون في سرعة انطلاق البحث عن أجوبة بعد رحيل مميش أصيبوا بخيبة أمل.
يشربون ماذا؟
يقترح بن مبارك أن جزءاً من هذه المشكلة ثقافي. وأوضح "إنهم لم يعتادوا على تقاسم الأشياء الخاصة خارج البيئة الأسرية ... غالباً ما يكون الناس مراوغين للغاية وغير دقيقين في إجاباتهم. إنهم لا يفهمون ما هو متوقع".
ومن الأمثلة على ذلك: علم فريق منظمة الصحة العالمية المعني بفيروس كورونا لأول مرة أن بعض الناس في المملكة العربية السعودية يشربون بول الإبل - اعتقاداً منهم بأن له خصائص طبية - بعد عام ونصف تقريباً من بدء العمل على مكافحة الفيروس. ولم يفكر فريق منظمة الصحة العالمية في أن يسأل عن تلك الممارسة. وعندما تمت صياغة المشورة المتعلقة بتجنب الاتصال بالإبل، لم يتطوع المسؤولون عن اتصال في المملكة العربية السعودية بالإفصاح عن تلك المعلومة.
وعندما بدأ تفشي المرض في كوريا الجنوبية، أشار بعض العلماء الذين يتتبعون فيروس كورونا بشكل وثيق إلى وجود تفش كبير في مستشفيات الشرق الأوسط أيضاً، ولكن غالباً لم يتم إدراكه على هذا النحو لأن البلدان المتضررة لا تبلغ عنه بنفس التفاصيل التي أعلنها المسؤولون في كوريا الجنوبية، ونادراً ما يتم الإبلاغ عنه في الأدبيات العلمية.
"غالباً ما يستند الاستعداد و/أو القدرة على تبادل المعلومات العلمية المفصلة عن تفشي هذا المرض إلى ثقافة البلد الذي يحدث فيه. لقد رأينا هذا في بلدان مثل الصين. لكنني أعتقد أن هذا أصبح مشكلة حادة هنا [في الشرق الأوسط]،" كما أفاد أوسترهولم.
ويقترح هو وغيره أن حل مشكلة فيروس كورونا يجب أن يكون لقاحاً يمنع انتقال العدوى بين الإبل، وبالتالي يمنع الفيروس من الانتقال إلى البشر. لكن أوسترهولم أوضح أنه "لا يوجد شيء الآن يدعم فرضية أن هذا المرض سيزول بين الإبل".
ومن دون لقاح للإبل، سوف تتكرر تجربة كوريا الجنوبية. وفي المرة القادمة، قد يظهر الفيروس في مكان ليست لديه قدرة النظام والموارد الاقتصادية اللازمة للاستجابة على نحو فعال.
* هيلين برانزويل هي المراسلة الطبية لوكالة الصحافة الكندية
hb/am-ais/dvh
التسلسل الزمني لفيروس كورونا 2012
|
"