قبل شهرين، عندما كانت الساعة تقترب من السابعة صباحاً، اجتمع 21 فرداً من إحدى العائلات في منزل الجدة التي ترأس الأسرة، والبالغة من العمر 84 عاماً، في جزيرة ليتي بوسط الفلبين لحماية أنفسهم من "عرام العواصف" القادمة نحو الساحل. لم يكن أحد منهم يعرف معنى هذا التحذير. كانوا يفهمون ضرر الرياح الناجم عن الأعاصير، ولكنهم لم يفهموا المزيج القاتل من الرياح والمياه.
في قرية موهون التي تقيم بها الجدة الكبرى، أو "بارانغاي"، والتابعة لمدينة تاناوان التي تبعد حوالي 20 كيلومتراً جنوب تاكلوبان، لقي أكثر من 130 شخصاً - أي ما يقرب من 10 بالمائة من سكان ما قبل الإعصار - حتفهم في ذلك اليوم. ولم ينج سوى أربعة فقط من الـ21 شخصاً الذين لجؤوا إلى منزلها عندما حطمت الأمواج باب الدار.
عاصرت الجدة عاصفة مماثلة في عام 1937، عندما كانت في الثامنة من عمرها، وكذلك الغزو الياباني خلال الحرب العالمية الثانية، ونجت من الموت مرة أخرى على الرغم من غرق أحفاد أبنائها.
اقترب الإعصار من الجزيرة ودفع مياه البحر إلى خليج سان بيدرو، فكون موجة عملاقة بلغ ارتفاعها ما يقرب من خمسة أمتار. وعلى رأس هذا الخليج تقع مدينة تاكلوبان، عاصمة المقاطعة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 221,000 نسمة، وفقاً لتعداد عام 2010.
ومن الجدير بالذكر أن أحد الخبراء وصف هذه الكارثة بأنها "التقاء مؤسف للأرصاد الجوية والجغرافيا".
وبعد وفاة أبنائه الأربعة جميعاً، لا يزال كييتا يفرز ما تبقى من منزله ولم يرجع حتى الآن إلى عمله في شركة خاصة. الأحذية، والدواء المنتهي الصلاحية، والصور الموضوعة في إطارات، ومقعد، ولعبة أطفال - كل شيء نجا يعتبر تذكاراً يذكره بهم. عادت زوجته إلى عملها كموظفة حكومية لتجنب أن تظل محاطة بذكريات حياتهم السابقة.
وأحضر أصدقاء من جامعة الزراعة، التي درس بها كييتا وزوجته، معدات كهربائية وإمدادات للمساعدة في إعادة بناء بيتهم. كما أدت رسالة وضعها صديق آخر على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي حول مأساة كييتا إلى الحصول على هدية عبارة عن جهاز توليد كهرباء صغير يعمل بالطاقة الشمسية من أستاذ جامعي يعمل بمنظمة غير حكومية محلية تبعد أكثر من 12,000 كيلومتر، في ولاية نبراسكا الأميركية.
وقد أصبحت المنازل المحطمة، وأكوام الخردة المعدنية المهترئة، وأشجار جوز الهند المقطوعة في جميع أنحاء الفلبين بمثابة تذكير مادي بعملية إعادة التأهيل التي تشير تقديرات الحكومة إلى أنها قد تستغرق فترة تصل إلى أربع سنوات وتكلف حوالي 8 مليارات دولار. ويقول خبراء الصحة أن عملية إعادة بناء الحالة النفسية في أعقاب الحزن أقل وضوحاً وأقل منطقية.
وقال فرديناند كييتا، البالغ من العمر 42 عاماً: "لم نكن نعرف أن المياه يمكن أن تقتل".
"أراد الأطفال أن يكونوا مع أبناء عمومتهم وجدتهم الكبرى. قالت ابنتنا التي كانت تبلغ من العمر 11 عاماً أنها ستعتني بأشقائها وأن أمها يجب أن تظل معي لأنني كنت لا أزال في منزل الأسرة. هل تعتقد أن الأطفال يشعرون بنذير شؤم من المستقبل؟"
"في يوم الأحد، قبل هبوب الإعصار [بثلاثة أيام]، رسمت ابنتنا التي كانت تبلغ من العمر خمس سنوات صورة تبينها هي وأشقاءها الثلاثة على جانب واحد من الصفحة معاً، ونحن على الجانب الأخر. وعندما سألناها عن سبب رسمنا على هذا النحو، قالت أن الأطفال فقط سيرحلون وأن علي الاحتفاظ بالرسم لأننا سوف نجتمع مرة أخرى ذات يوم. لم أكن أعرف ما الذي كانت تتحدث عنه".
"لا أعرف لماذا ما زلت أنا على قيد الحياة، ولماذا لقوا حتفهم. لا يوجد أحد يقول لنا 'صباح الخير يا أمي، صباح الخير يا أبي'، ولا أحد يعانقنا قبل النوم. كانوا أطفالاً طيبين للغاية".
"من الغريب أيضاً أن ابني الذي كان يبلغ من العمر ثماني سنوات، حتى قبل تعطينا أخته الرسم، سأل أمه ماذا ستفعل إذا مات الأطفال جميعاً؟ فقالت أنها سوف تنتحر. فقال أنه لا يجب عليها فعل ذلك، لأن الأطفال حينئذ سيذهبون إلى الجنة وسنكون نحن في الجحيم، فكيف سيتسنى لنا أن نرى بعضنا البعض مرة أخرى؟"
"يجب أن تستمر الحياة، حتى لو كنا لا نفهم لماذا ما زلنا نحن هنا".
pt/he-ais/dvh
This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions