حدد فريق من معهد التنمية الخارجية، ومقره لندن، أربع حالات يعتقد أن المساعدات الخارجية قد نجحت في إحداث تغيير إيجابي فيها مثل مشروع المياه التنزاني، وبرنامج الإدارة الأوغندي، وبرنامج العامل الصحي ومبادرة الحكم في سيراليون. وقد تمت دراسة تلك المشروعات لمعرفة كيف استطاعت المساعدات تحقيق ذلك.
ولم تكن تلك مشروعات كبيرة. وعلى الرغم من كونها مشروعات متعلقة بالحكم بصورة أساسية، إلا أن معظمها كان مرتبطاً بالتدخلات العملية ذات المستوى المنخفض. فقد حدد المشروع التنزاني مواقع نقاط المياه واستخدامها وقام بتوعية أعضاء المجالس واللجان المحلية بشأن مسؤولياتهم وحقوقهم. وبالمثل قام المشروع الأوغندي بتوعية المواطنين بشأن حقوقهم. وفي سيراليون، قام أحد البرامج بتوفير فرق استشارية لعدد من الوزارات الحكومية. كما استطاع برنامج آخر تأسيس نظام للمكافآت والعقوبات لتحسين مواظبة العمالة الصحية على الحضور، بحيث قدم المشروع- بحسب ما جاء في تقرير معهد التنمية الخارجية- "تحسيناً للأداء للاستمرار في تشغيل النظام".
وقالت الباحثة هايدي تافاكولي أن "مشروعات الإغاثة تميل إلى أن تبدأ بمراجعة إطار العمل التنظيمي الذي من المفترض أن تعمل من خلاله المشروعات والحكومات. ولكن يولى اهتمام أقل بكثير لجعل الأنظمة القائمة تعمل على نحو أكثر فاعلية. فجميع تلك الأنشطة تركز بصورة كبيرة على سد الفجوة بين ما هو على الورق وما يحدث بالفعل على أرض الواقع".
الفرصة تطرق الأبواب
وقد استغلت كل تلك التدخلات نوافذ الفرص الفريدة التي أتيحت أمامها. ففي عام 2007 تم التصويت ضد الحكومة في سيراليون بسبب شعور الناخبين بالإحباط لعدم تمكنها من إحراز تقدم في تحسين الخدمات. وقد وعد الرئيس الجديد ايرنست باي كوروما أنه خلال ستة أشهر سيتمكن جميع الأطفال الصغار والنساء الحوامل والمرضعات من الحصول على الرعاية الصحية بالمجان.
وكانت وزارة التنمية الدولية البريطانية مستعدة للمساعدة في تمويل هذا البرنامج ولكنها أرادت أن تضمن أن أموالها لن تذهب إلى عمال غائبين أو لا وجود لهم. وقد أعطت الضرورة السياسية للتعهد وزارة التنمية الدولية البريطانية القوة والسلطة للإصرار على الإصلاحات.
وفي تنزانيا أصبحت أصوات المجموعات الشبابية قادرة بشكل متزايد على التعبير عن رأيها بصراحة بشأن تردي مستوى تقديم الخدمات من قبل الحكومة المحلية. وقد زادت التغطية الإعلامية حول القضية وبدأ خصوم الحزب السياسي المهيمن في الظهور. وفجأة أصبح لدى المسؤولين والسياسيين حوافز أكبر لجعل نظام الإمداد بالمياه يعمل.
وفي اجتماع في لندن لمناقشة بحوث معهد التنمية الخارجية ناقش الحضور أفضل السبل لتحديد نوافذ الفرص واستغلالها.
وقال أندي راتكليف من مبادة الحكم الأفريقية أن الأمر ليس بالسهل، وأضاف قائلاً: "لدينا سجلات مخاطر للمشروعات. اعتقدنا أنه ربما ينبغي أن يكون لدينا سجل للفرص، ولكننا وجدنا ذلك صعباً جداً".
وقال ماركوس مانويل من معهد التنمية الخارجية أن الحفاظ على تواجد محلي يعد أمراً أساسياً، مضيفاً أنك "إذا لم تكن متواجداً هناك بالفعل وإذا لم تكن متواجداً هناك لفترة طويلة فلن تستطيع تحديد نافذة الفرصة حين تكون مواتية. وإذا لم تكن هناك مع بعض المال فإن نافذة الفرصة سوف تغلق مرة أخرى بحلول الوقت الذي تكون فيه قد جمعت الأموال".
السياسة
ولأن تلك الفرص غالباً ما تنطوي على السياسة، يشعر البعض بالقلق من أن تعطي تدخلات المنظمات الإنسانية- والنجاحات- طرفاً أو آخر ميزة سياسية.
لكن ريناس فان كلينكن، المدير القطري لمنظمة التنمية الهولندية إس إن في بتنزانيا التي كانت مشاركة في مشروع المياه أخبر شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه غير متأكد من أهمية ذلك.
وأوضح كلينكن قائلاً: "أولا هناك حاجة إلى تقديم الخدمات. ولكن الناخبين – أو المواطنين- بحاجة إلى رؤية العلاقة بين تلك الخدمات التي يتم تقديمها والمسؤولين. فقد يؤدي هذا إلى التغيير أو يؤدي إلى بقاء الوضع على ما هو عليه. ولكننا إذا ساعدنا السياسيين على تقديم الخدمات، فليس لدي أي مشكلة في بقاء هؤلاء السياسيين في السلطة".
وأكد فان كلينكن أيضاً على أهمية القدرة على العمل على جميع المستويات. فلا فائدة على سبيل المثال من تشجيع مجموعات المستخدمين للخدمة للضغط على المجلس المحلي لتقديم الخدمة إذا كان المجلس لا يرى أن تقديم تلك الخدمة جزءاً من وظيفته.
وقد حذر كلينكن أيضاً من أن تصبح جماعات الإغاثة مشاركة بشكل كبير في مناصرة مجموعات المواطنين وهو ما قد يفقدهم ثقة المسؤولين الذين يحتاجون إلى العمل معهم. كما على العاملين في جماعات الإغاثة تحقيق التوازن بين كونهم أطرافاً خارجية وداخلية وبين كونهم متعاونين وأيضاً مواطنين.
وهناك حاجة إلى دهاء سياسي ليس لتحديد نوافذ الفرص فحسب ولكن من أجل تصميم التدخلات كذلك. وقالت سو أنسورث من منظمة Practice Policy أنه لا بد أن تميز الجهات المانحة بين التفكك الذي هو نتيجة عرضية للمؤسسات الضعيفة والتفكك المتعمد.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قالت أنسورث أن "بعض أسباب عدم إصلاح الناس للقضايا الخاصة بالأدوار والتكليفات ومعالجة بعض التفكك في السياسات والمؤسسات هي عدم رغبتهم في ذلك. فربما يكونون قد تعمدوا خلقها من خلال مبادرات شعبية قبل الانتخابات لم تكن تهدف لأن تكون سياسة جيدة وطويلة الأجل ومتماسكة. ولكن يمكنك على الأقل البدء بإخفاق عرضي وبالأشياء التي يمكن تسويتها وترشيدها دون التأثير على المصالح الشخصية الراسخة".
والرسالة الشاملة هي أن أكثر التدخلات الخارجية فاعلية هي تلك تكون طويلة الأجل ومعتدلة على الأرجح، والتي تعمل من داخل النظام كما هو. لكن لسوء الحظ قد يترك هذا النهج النظم الرديئة في الأساس من دون تغيير. كما أن هذه الرسالة تتماشى بصعوبة مع مطالب الجهات المانحة بمشروعات ممولة ومخطط لها بوضوح وقادرة على تحقيق نتائج مباشرة ويمكن قياسها.
وبالطبع هناك خطر من أنه بمجرد أن تتوقف التدخلات عن تحسين الأداء، من الممكن أن تتوقف الأنظمة عن العمل مرة أخرى.
eb/rz-hk/dvh
"