يقول سكان المدن والبلدات السورية التي نفد فيها وقود التدفئة أنهم أصبحوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض بعد أن أخذوا يلجؤون إلى حرق النفط الخام للحصول على التدفئة. فقد أدى الصراع في سوريا الذي امتد على مدى عامين تقريباً إلى نقص في الوقود على نطاق واسع، وعلى الرغم من اقتراب حلول فصل الربيع، إلا أن موجات البرد ما زالت تضرب بشكل متقطع بعضاً من أجزاء البلاد.
وقال طبيب أسنان في محافظة دير الزور الشرقية، يدعى أبو عدنان: رائحة الدخان كريهة للغاية، ويعاني الكثير من الناس من مشاكل في الجهاز التنفسي ومن طفح في الجلد بسبب ذلك. لكن ما الذي يمكننا فعله؟ نحن بحاجة إلى الدفء وإلى مادة نستخدمها لطهي طعامنا".
ويؤكد سكان المناطق التي يسيطر عليها الثوار في محافظات دير الزور وإدلب وحلب وحماة وحمص وريف دمشق أن مادة المازوت، وكذلك الديزل والبنزين، قد اختفت من السوق. وأضاف أبو عدنان أنه "خلال فصل الشتاء الماضي، كانت المشكلة في ارتفاع سعر الوقود، أما هذا الشتاء، فنكاد لا نجده بتاتاً".
من جهة أخرى، قال حسن حميدي، وهو طبيب في مدينة أفاميا في محافظة حماة: "يراجعني أشخاص يعانون من مشاكل رئوية بسبب استنشاق الدخان. وهناك أيضاً الكثير من حالات الاحتراق لأن النفط قابل للاشتعال بسهولة، مما يتسبب بوقوع حوادث متكررة".
وقال محمد علمي، المستشار الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشؤون السلامة الغذائية والكيميائية أن حرق المنتجات غير الصحية بات للأسف آلية مواجهة مشتركة في مناطق الصراع.
وأضاف أن "الناس يستجيبون عادة للحالات الطارئة بحرق النفط الخام والخشب والأثاث - وكل ما يمكن أن يصلوا إليه". وأوضح أنه على الرغم من صعوبة تحديد المخاطر الصحية دون معرفة الصفات المحددة للنفط الخام الذي يصل إلى سوريا، إلا أن الدخان يبقى مضراً بشكل عام. "إذ عادةً ما يحتوي على مستويات أعلى من أول أكسيد الكربون والكبريت، ولذلك فهو مضر جداً للجهاز التنفسي ويمكن أن يسبب الصداع والغثيان – خصوصاً أن الناس لا يفتحون النوافذ لدى قيامهم بتدفئة منازلهم".
ويمكن لعدة عوامل أخرى أن تلعب دوراً في تدهور صحة السكان بما في ذلك انعدام النظافة واستخدام المياه القذرة والإجهاد.
وخلال الأشهر الأخيرة، حقق الثوار مكاسب كبيرة في المحافظات الشمالية والشرقية، حيث توجد كافة حقول النفط الرئيسية السورية. ووفقاً لمصادر في المعارضة وتقارير صادرة عن وسائل الإعلام، استولت المعارضة على أربعاً من أصل خمس آبار للنفط في دير الزور، وعلى إحدى بئرين في محافظة الحسكة في الشمال.
مع ذلك، قال سمير سعيفان، المحلل الاقتصادي السوري الذي كان يقدم الاستشارات إلى الحكومة لكنه الآن في دبي بعد انضمامه إلى المعارضة: "لا أحد يقوم بتشغيل الآبار التي استولت عليها المعارضة بسبب فرار كافة العمال تقريباً".
يتحول إلى دخان
وفي حين تباطأ إنتاج النفط بشكل كبير، هناك كميات لا بأس بها من النفط الخام الذي تم الاستيلاء عليه من الآبار. وفي المناطق التي يتعذر الحصول فيها على النفط الخام، وجد الناس وسيلة أخرى للحفاظ على بيوتهم دافئة - لكن بكلفة طويلة الأمد.
وقال منهل*، وهو مقاتل مع الجيش السوري الحر في محافظة حماة، أن الناس بدأوا بقطع الأشجار من البساتين. "نحن نخسر أشجارنا، وهذا يعني أن حياتنا ستكون أصعب بكثير في المستقبل. فوضعنا يتراجع يوماً بعد يوم".
وأضاف أن سكان حماة بدؤوا أيضاً بحرق الطاولات والكراسي المدرسية: "فكل ما يفكر به الناس الآن هو كيفية البقاء على قيد الحياة."
وفي بعض المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، يحدد الثوار الأماكن الذي يمكن للقاطنين فيها قطع الحطب. وقال إبراهيم، أحد سكان معرة النعمان أنه في محافظة ادلب، شمال غرب البلاد على سبيل المثال، بدأ مقاتلو الجيش السوري الحر بحماية بساتين الزيتون.
وأضاف قائلاً: "خلال فصل الشتاء هذا، قطع الناس 500 هكتار من بساتين الزيتون حول قريتنا لأن البرد قد يكون قارساً جداً. أما الآن، فيقوم مقاتلو الجيش الحر بالتأكد من أنه لا يتم قطع سوى بعض أغصان الأشجار. فنحن لا نريد أن تتحول بلادنا إلى صحراء".
مع ذلك، تحاول مجموعات مختلفة الاستفادة من آبار النفط في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وقال أبو عماد*، وهو ناشط في ريف دمشق أن "بعض الناس يستغلون علاقاتهم للحصول على النفط من الجيش السوري الحر، وبعد ذلك يقومون ببيعه. وهكذا، يمكنك أن تجد الآن تجاراً يعرضون النفط الخام للبيع في كثير من المناطق."
* ليس اسماً حقيقياً
gm/ha/cb-bb/dvh
"