1. الرئيسية
  2. Middle East and North Africa
  3. Syria

سوريا: الجهات المانحة لا تفي بتعهداتها بشأن المساعدات الإنسانية

Syrian refugee boy sits in front of UNHCR provided tent in Zaatari Camp in Jordan Areej Abu Qudairi/IRIN
Syrian refugee boy sits in front of UNHCR provided tent in Zaatari Camp in Jordan (Sep 2012)

 لا تحظى أزمات إنسانية كثيرة باهتمام ومشاركة العالم اللذين حصلت عليهما الأزمة السورية. فقد أحدثت دول عديدة على جانبي الصراع ضجة متصلة بصوت مرتفع حول الحالة الإنسانية المؤسفة هناك، ولكن حتى الآن، "لا أحد يضع يده حقاً في جيبه ويفي بتعهداته المالية،" كما وصف رئيس عمليات الهلال الأحمر العربي السوري الوضع في نهاية شهر يوليو الماضي.

ورغم تسارع وتيرة التمويل في الأسابيع الأخيرة، ما زالت نسبة تمويل نداءات الأمم المتحدة لجمع أكثر من 541 مليون دولار أمريكي لمساعدة السوريين المحتاجين داخل البلاد واللاجئين السوريين في البلدان المجاورة، لا تتعدى حالياً 40 بالمائة من المبلغ المطلوب. (تم تنقيح وزيادة النداءات عدة مرات). كما شكت وكالات أخرى مثل منظمة أطباء بلا حدود، التي تمتلك قنوات تمويل مستقلة، من نقص التمويل الذي أدى إلى تقليص عملياتها. ووفقاً لخدمة التتبع المالي التابعة للأمم المتحدة، والتي تسجل كافة التبرعات المبلّغ عنها، قدمت الجهات المانحة مبلغاً إضافياً قدره 200 مليون دولار، خارج إطار النداءين اللذين أطلقتهما الأمم المتحدة. (فيتم مثلاً تمويل عمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا بالكامل، رغم أن حجم عملياتها أصغر بكثير).

فلماذا إذاً تأخر تمويل الأمم المتحدة وغيرها من الوكالات؟

قال منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا، رضوان نويصر، في مقابلة مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "ما زلت أسأل الجهات المانحة السؤال نفسه. ربما كانت غلبة النقاش السياسي هي التي جعلت الكثير من البلدان لا تولي اهتماماً كافياً بالأحوال الإنسانية. هذا هو تفسيري الوحيد". ولكنك ستحصل على رد مختلف من كل شخص تسأله، لذا قامت شبكة الأنباء الإنسانية بتجميع عدد من الآراء:

يقول جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، وأمين مدوّنة واسعة الانتشار حول الشؤون السورية: "لا أحد يريد تعزيز نظام الأسد عن طريق إرسال المساعدات. فتقوم الاستراتيجية الغربية على تجويع النظام وتغذية المعارضة. ولكن هذا، بطبيعة الحال، من المستحيل تحقيقه بدون تجويع سوريا بأكملها. فالعقوبات هي أداة فجة جداً، والغرض منها هو إضعاف النظام لتشجيع السوريين على الثورة عليه". وتبقى المشكلة في أنك إذا ساعدت الناس داخل سوريا، يجب أن يكون ذلك بالتنسيق مع الحكومة السورية، ما يضفي الشرعية على تلك الحكومة. إنها مسألة أولويات. هل تريد تغيير النظام أم إطعام الناس؟"

وقد ذهب آخرون إلى تبني الرأي الشائع الذي يوحي بأن الجهات المانحة تتعمد ترك سوريا تواجه أزمةً إنسانيةً من أجل إبقاء الباب مفتوحاً أمام التدخل. وفي الوقت نفسه، يدعو البعض الآخر بالفعل إلى التدخل. فقد قال عبد اللطيف بن راشد الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليجي العربية: "علينا توفير البيئة المناسبة لبناء الثقة في إمكانية تقديم الدعم [الإنساني]. نحن بحاجة إلى مناطق آمنة".

أمّا جامعة الدول العربية، التي منحت منظمة الصحة العالمية 500,000 دولار لتمويل عملها داخل سوريا، فتهدف إلى جمع 100 مليون دولار من أعضائها لجهود الإغاثة في سوريا والبلدان المضيفة للاجئين. ومن جهة أخرى، قدمت روسيا 8.5 مليون دولار - معظمها من خلال برنامج الأغذية العالمي ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر - فضلاً عن 80 طناً مترياً من الخيام والبطانيات ومستلزمات المطبخ والأثاث والمواد الغذائية على المستوى الثنائي. وهي تقول أنها تدرس تقديم المزيد من المساعدات من خلال وكالة الإغاثة الخاصة بها، إمركوم (EMERCOM)، وعبر تقديم المزيد من الدعم المخصص لبرنامج الأغذية العالمي.

وقالت ماريا خودينسكايا – غولينيشيفا، وهي دبلوماسية روسية في بعثة للأمم المتحدة في جنيف، أن "بعض البلدان قدمت أكثر من ذلك، ولكنها في نفس الوقت، تخنق الشعب السوري من خلال فرض العقوبات الاقتصادية وتوفير الدعم المالي واللوجستي، وكذلك الأسلحة، للمعارضة. ولذا فإن الأرقام نفسها يمكن أن تكون أعلى - إنها تدفع أكثر من الناحية الرسمية - ولكن في الوقت نفسه، ما يفعلونه بالشعب السوري في واقع الأمر يثير التساؤلات". (فقد أعلنت روسيا في شهر يوليو الماضي أنها ستتوقف عن تزويد الحكومة السورية بالأسلحة حتى يتم "حل" الأزمة).

وترى بعض الجهات المانحة أن الاستثمار في الأسلحة والدعم المالي للمتمردين أكثر فعاليةً، وذلك في محاولة لمساعدتهم على الانتصار وإنهاء الصراع في نهاية المطاف، بينما يقلق الآخرون من أن المساعدات الإنسانية لن تؤدي إلا إلى إطالة الصراع، من خلال تحويل مخيمات اللاجئين إلى محطات لراحة واستجمام المتمردين.

A brother and sister at a food distribution (by WFP and the Syrian Arab Red Crescent) in Qazhal town, northwest of Homs City, in Syria
الصورة: بن باركر/ أوتشا
طفلان ينتظران في نقطة لتوزيع الغذاء في شمال غرب مدينة حمص السورية
وأفاد كلود بروديرلين، مدير برنامج السياسات الإنسانية وبحوث النزاعات في جامعة هارفارد، أن جزءاً من المشكلة يكمن في إدراج الوصول إلى المساعدات الإنسانية ضمن خطة عمل المبعوث الدولي، كوفي أنان، الأولى لتسوية النزاع، والتي كانت مؤلفة من ست نقاط. فدمجت هذه الخطوة المصالحة السياسية مع المساعدات الإنسانية - ليس فقط على مستوى العمليات كما هو الحال في الصومال وأفغانستان - ولكن على المستوى الاستراتيجي أيضاً، "حيث يُنظر إلى الإغاثة الإنسانية باعتبارها وسيلة لوضع حد للصراع. هذا المبدأ يتعارض مع الحياد ... ولذلك، يتوقف التمويل على احتمال التوصل إلى حلول سياسية للأزمة التي أصبحت شرسة للغاية ... وعندما لا يحدث تحسن على المستوى السياسي، تعاني المساعدات الإنسانية".

ومن جانبها، قالت فاليري آموس، منسقة الإغاثة الطارئة ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: "أعتقد أن الاستقطاب في السياق السياسي السوري له تأثير لا شك فيه - حيث تجد فجوة واضحة جداً من حيث الدعم السياسي لهذا الطرف أو ذاك، على الصعيد العالمي، من قبل العديد من الدول التي كان من المفترض تقليدياً أن تكون من الجهات المانحة في هذه الحالة".

كذلك، تقول لجان وحملات الإغاثة السعودية أنها جمعت 145 مليون دولار خلال حملة جمع تبرعات تلفزيونية خيرية في شهر رمضان وأن هذا المبلغ مجهز للتخصيص داخل سوريا، ولكن المدير التنفيذي للحملة، مبارك بن سعيد البكر، قال: "لا يمكنني العثور على منظمة إنسانية دولية واحدة يمكنها أن تضمن لي أنها تستطيع تقديم المساعدة للأسر المحتاجة. لسوء الحظ، قامت الحكومة [السورية] بتسييس وكالات الأمم المتحدة العاملة داخل سوريا. والهلال الأحمر العربي السوري مسيس أيضاً ... النظام السوري بدأ يملي على الأمم المتحدة الجهات التي يتعامل معها. نحن أمام حالة إنسانية فريدة، حيث يقاتل النظام شعبه ويوجه المساعدات إلى من يريد".

أمّا منظمة التعاون الإسلامي فتفضل إرسال معونات فقط عندما تستطيع فتح مكتب داخل سوريا - وهي فكرة رفضتها الحكومة وليس من المرجح أن تقبلها بعد طرد سوريا من المنظمة في شهر أغسطس الماضي.

وقال أحد المانحين الغربيين أن "المشكلة تكمن في الوصول. فتعريف [الأمم المتحدة] للوصول يختلف عن تعريف الجهات المانحة. نحن بحاجة إلى المزيد من التقارير: ليس فقط من قبيل 'نحن نوزع المساعدات هنا أو هناك'، ولكن: هل نحن على يقين من أن المساعدات تصل إلى الفئات الأكثر ضعفاً بالفعل؟ هل نحن نمول الحكومة أم الجيش السوري الحر؟ ... أين هي المساءلة؟ أين هو حياد المساعدات؟ ... لا تعطني قوائم المستفيدين، فقط أعطني التفاصيل".

كذلك، أثار آخرون تساؤلات حول "الشركاء المحليين" الذين تشير إليهم العديد من هيئات الإغاثة ولكن دون أن تحدد هويتهم. ولكن بالنسبة لأحد عمال الإغاثة الغربيين، هذه مجرد واجهة: "من وجهة نظري، هناك غياب كامل للإرادة السياسية في ما يتعلق بالتمويل. إنهم فقط ينتظرون سقوط الأسد ... والمانحون يستخدمون نقص فرص الوصول كذريعة". وسألت شبكة الأنباء الإنسانية آموس عمّا إذا كان المجتمع الإنساني يستطيع أن يقوم بالمزيد لتوفير معلومات أفضل للجهات المانحة. فأجابت قائلةً: "أعتقد أنه من الملائم تماماً أن تطالبنا الجهات المانحة بأن نكون مسؤولين عمّا نقوم به. ونحن، بطبيعة الحال، سوف نبذل قصارى جهدنا لتحقيق ذلك، لكن ... البيئة التي نعمل بها ليست مستقيمة أو واضحة ... فلديك عدد من البلدان التي تقول لنا أنها تريد معلومات إضافية، وهي نفس البلدان التي ليس لديها ممثلون في سوريا بسبب قلقها إزاء الوضع الأمني".

ويؤكد جوليانو فيوري، مستشار الشؤون الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة في لندن "إنها حلقة مفرغة،" مضيفاً أن "الجهات المانحة تقول 'نحن بحاجة إلى معلومات أفضل،' والوكالات الموجودة على الأرض تقول: 'نحن بحاجة إلى المال لنحصل لكم على أفضل المعلومات'. فترد الجهات المانحة قائلةً: 'نحن بحاجة إلى معلومات لنجمع لكم المال،' وبالتالي تعود إلى المربع رقم واحد ... ومن المعقول أن يكون الدفع المتزايد باتجاه الشفافية والمساءلة والقيمة مقابل المال يجعل الجهات المانحة أيضاً تنفر من المجازفة ... فمن الممكن أن يشعروا أنه إذا لم يحدث أي تقدم على الصعيد السياسي، وإذا تسببوا أيضاً في تفاقم النزاع عن غير قصد من خلال دعم الاستجابة الإنسانية بطريقة خاطئة، سيصبحون حقاً في مرمى النيران".

من جهة أخرى، يقول يوهانس لوكنر، رئيس وحدة الشرق الأوسط في ذراع المساعدات الإنسانية التابع للمفوضية الأوروبية (ECHO)، أن إدارته رفضت بعض مقترحات التمويل بسبب نقص الثقة في عمليات الرقابة. "المساعدات الإنسانية لا تكون أبداً خالية من المخاطر. المبدأ الأساسي الذي يحكمنا جميعاً هو الضرورة الإنسانية، ولكن ما نحتاجه هو تأكيد معقول بأن تتجه البضائع إلى المكان الذي ينبغي أن تذهب إليه، وإلا قد تتسبب بأذى. وعندما لا نحصل على ذلك التأكيد، فإننا نرفض التمويل".
''أساساً، ليس هناك أي تفسير آخر غير النفاق. فيجب أن يقابل هذا الفيض من التعاطف المتباهي مع محنة الشعب السوري عملٌ مساوٍ له في القوة على أرض الواقع. ولكن الحقيقة هي أن حكوماتنا ترضي نفسها بتصريحات فارغة وتعهدات غير صادقة''


وقد يقول المراقبون أيضاً أن الجهات المانحة هونت من شأن الصراع في البداية، فلم يعتقد أحد أنه سيستمر طوال هذه المدة، وبعض البلدان تجد الآن صعوبة في مواكبة سرعة تغير الحقائق على الأرض. فأشارت ماريا خودينسكايا – غولينيشيفا، الدبلوماسية الروسية إلى أن "الوضع يتكشف بسرعة كبيرة، ويتغير بسرعة كبيرة،" مضيفةً أن "الدول بحاجة إلى بعض الوقت للنظر في ما يمكن القيام به أكثر من ذلك".

وطالبت خطة الاستجابة الإقليمية لأزمة اللاجئين، التي تم عرضها لأول مرة في شهر مارس الماضي، بمبلغ قدره 84 مليون دولار، ثم نُقحت في يونيو ليصبح المبلغ 193 مليون دولار، ويجري الآن تنقيحها مرة أخرى لتقديم رقم جديد في نهاية هذا الشهر. أما خطة الاستجابة للاحتياجات داخل سوريا فكانت في البداية تتكلف 180 مليون دولار، قبل أن يتم تحديثها هذا الشهر لتصل إلى 348 مليون دولار.

ويعتقد لوكنر المسؤول بالمكتب الإنساني للجماعة الأوروبية أن "التصريح الواضح من المجتمع الدولي [إلى عامة الناس] بأن هذه أزمة إنسانية تأخر بعض الشيء". فكان على المجتمع الإنساني داخل سوريا الذي ضجر من أكثر من 600,000 لاجئ عراقي وفلسطيني مسجلين يحاول حمايتهم في سوريا، أن يكون حذراً بشأن الرسائل التي يرسلها. وبالإضافة إلى ذلك، كانت الأشهر القليلة الأولى توصف بشكل صحيح بأنها أزمة لحقوق الإنسان قبل أي اعتبار آخر.

ومع ذلك، قرر المكتب الإنساني للجماعة الأوروبية في وقت مبكر من شهر فبراير، قبل نداء الأمم المتحدة الأول وقبل تسارع وتيرة العنف بشكل مطرد، وضع مبلغ من المال جانباً لهذه الأزمة. وقامت الأذرع المختلفة للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بمنح أكثر من 200 مليون يورو، في حين قدمت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليون دولار.

ولكن بيتر هارلينغ، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، لا يعتبر أياً من هذه التفسيرات صحيحاً، وقال: "أساساً، ليس هناك أي تفسير آخر غير النفاق. فالاحتياجات في سوريا ضخمة وليس هناك شك في أن الأزمة الإنسانية ستثير المزيد من تطرف وانهيار هذا المجتمع الهش. لقد تطور مجتمع مدني أصلي متسع ونضج، ولديه كل ما يدعو إلى الدعم. فيجب أن يقابل هذا الفيض من التعاطف المتباهي مع محنة الشعب السوري عملٌ مساوٍ له في القوة على أرض الواقع. ولكن الحقيقة هي أن حكوماتنا ترضي نفسها بتصريحات فارغة وتعهدات غير صادقة".

ha/cb-ais/bb

This article was produced by IRIN News while it was part of the United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs. Please send queries on copyright or liability to the UN. For more information: https://shop.un.org/rights-permissions

Share this article

Get the day’s top headlines in your inbox every morning

Starting at just $5 a month, you can become a member of The New Humanitarian and receive our premium newsletter, DAWNS Digest.

DAWNS Digest has been the trusted essential morning read for global aid and foreign policy professionals for more than 10 years.

Government, media, global governance organisations, NGOs, academics, and more subscribe to DAWNS to receive the day’s top global headlines of news and analysis in their inboxes every weekday morning.

It’s the perfect way to start your day.

Become a member of The New Humanitarian today and you’ll automatically be subscribed to DAWNS Digest – free of charge.

Become a member of The New Humanitarian

Support our journalism and become more involved in our community. Help us deliver informative, accessible, independent journalism that you can trust and provides accountability to the millions of people affected by crises worldwide.

Join