زادت الاضطرابات السياسية في مصر المستمرة منذ أكثر من أسبوع من خطر حدوث أزمة إنسانية في غزة المجاورة. فقد فر الجنود المصريون من مواقعهم على الحدود الشمالية يوم 30 يناير، مما أدى إلى إغلاق معبر رفح، الذي يعتبر منفذاً حيوياً لنحو 1.5 مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة.
وما يزال حوالي 60 فلسطينياً كانوا يحاولون العودة إلى ديارهم عن طريق القاهرة عند إغلاق الحدود الجنوبية لغزة، محتجزين في غرفة الترحيل" بمطار القاهرة، من بينهم ستة أطفال والعديد من المرضى ذوي الحالات الحرجة الذين تكاد أدويتهم أن تنفذ.
"الأطفال لا يعرفون ما يحدث وأحياناً يبكون. الجو بارد جداً هنا والمكان مزدحم ولا يوجد مكان نغتسل به،" وفقاً لتصريح أحد المحتجزين، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) يوم 30 يناير.
وكانت إسرائيل قد دمرت مطار غزة خلال الانتفاضة الثانية عام 2002، ولم يتبق أمام سكان القطاع سوى بدائل قليلة غير السفر من مطار القاهرة عبر رفح. ومنذ أن سيطرت حركة حماس على القطاع في عام 2007، أصبح سكان غزة بحاجة إلى تصريح أمني خاص لدخول مصر. ويتم أخذ أولئك الذين يحملون تصاريح سفر إلى الخارج مباشرة إلى مطار القاهرة بواسطة الحافلات حيث يتم احتجازهم حتى موعد مغادرتهم، وفي رحلة الإياب، يحتجزون في المطار حتى يتسنى نقلهم إلى معبر رفح.
إغلاق الأنفاق
ويعني الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع اعتماد غزة اعتماداً كبيراً على السلع المهربة عبر الأنفاق من مصر - لاسيما الوقود وغاز الطهي ومواد البناء - ولكن استمرار حالة عدم الاستقرار في مصر تتسبب في إغلاق هذه الأنفاق وقطع خط الإمداد الحيوي.
وقال فريد عبد الرحمن، وهو سائق سيارة أجرة يشغلها الآن بما تبقى لديه من وقود الديزل المصري: "المشكلة هي توصيل الوقود إلى الحدود داخل مصر. لا توجد قوات عسكرية على الجانب المصري من الحدود، وبالتالي يتم خطف المهربين على الطريق من القاهرة وسرقة جميع أغراضهم. هذا أمر خطير للغاية بالنسبة لهم. لا يوجد شيء يأتي عبر الأنفاق الآن. أعتقد أن المشكلة ستزداد سوءاً".
وقد نفد البنزين تماماً الآن والوقود الوحيد المتاح هو كمية محدودة قادمة من إسرائيل بثلاثة أضعاف السعر. ولا يعني نقص الوقود في غزة عدم تشغيل السيارات فقط، ولكن توقف توليد كهرباء أيضاً. كما أدى الحصار والأضرار الفادحة التي لحقت بمحطات توليد الطاقة خلال حرب 2009 إلى نقص مزمن في الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي لنحو ست ساعات يومياً. لذا تعتمد المنازل والشركات في غزة على المولدات التي تعمل بالوقود.
وأفاد قاضٍ بارز طلب عدم نشر اسمه بسبب مركزه، أثناء اصطفافه مع مئات الناس في إحدى محطات البنزين القليلة التي لا يزال الوقود متوفراً فيها في مدينة غزة: "يجب أن أخزن الوقود مثل أي شخص آخر. ليست لدينا أية فكرة عن موعد توفره هنا مرة أخرى".
وأوضح أنه كان يشتري البنزين لمنزله وليس لسيارته وأضاف: "سيكون علينا استخدامه بحرص شديد. فوجود مثل هذه الكمية الكبيرة من البنزين في البيت أمر خطير. فإذا وقعت غارة جوية سيصبح منزلنا كالقنبلة، ولكن ليس لدينا خيار آخر".
المستشفيات متضررة
وتملك المستشفيات الكبرى مخزوناً من الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء الخاصة بها، ولكن أكبرها على الإطلاق، مستشفى الشفاء في مدينة غزة، لايملك سوى ما يكفي لأقل من أسبوع واحد. وإذا استمر إغلاق الأنفاق لفترة أطول، فإن الوضع سيصبح حرجاً.
وأعرب محمد أبو رحمن، أحد كبار الممرضين في وحدة العناية المركزة، عن قلقه الشديد من إغلاق الحدود، حيث قال: "هذه الوحدة بالذات تعتمد كلياً على الكهرباء. إذا حدث انقطاع للتيار الكهربائي فسيتحتم علينا تشغيل أجهزة التنفس يدوياً حتى يبدأ تشغيل المولد". وأضاف في حديث لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "ينقطع التيار الكهربائي هنا لمدة أربع ساعات كل يوم، وسيكون من المستحيل إبقاء المرضى على قيد الحياة دون المولدات، كما ستتوقف شاشات المراقبة وأجهزة التنفس وكل شيء".
ويمثل هذا الوضع تهديداً لحياة البعض. فغزة تعاني من نقص حاد في المعدات الطبية والأدوية الأساسية، الأمر الذي يستدعي إرسال الكثير من الأشخاص، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض خطيرة مثل السرطان، إلى الخارج لتلقي العلاج.
وفي كل شهر يتم تحويل حوالي 500 مريض من غزة إلى مصر. وفي ظل إغلاق معبر رفح إلى أجل غير مسمى، فإن الأمم المتحدة تبحث إمكانية نقل الحالات المرضية من قطاع غزة عن طريق إسرائيل، على الرغم من أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) يتوقع رفض ما لا يقل عن 20 بالمائة منهم لأسباب أمنية.
وقد حذر بسام أبو حمد، وهو من كبار المستشارين الصحيين في غزة، من أن إغلاق معبر رفح يعرض حياة المرضى للخطر قائلاً أن "الأشخاص الذين يحتاجون إلى العلاج الإشعاعي والجراحة المتقدمة على وجه الخصوص، غير قادرين على الحصول على العلاج. وطالما أن معبر رفح مغلق، سوف نرى زيادة في الوفيات هنا في غزة".
ارتفاع الأسعار
وقد ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية بشكل كبير منذ غلق الأنفاق. كما زادت أسعار السجائر بنسبة 25 بالمائة، وتضاعفت تكلفة مواد البناء الحيوية. ولا يزال جزء كبير من قطاع غزة في حالة خراب بعد أن خلف اجتياح اسرائيل للقطاع في عام 2009 أضراراً في نحو 60,000 مبني ودمر أكثر من 4,000 غيرها. كما يعني الحظر الذي فرضته إسرائيل على استيراد الأسمنت وحديد التسليح والحصى من خلال معابرها الحدودية أن أي أعمال البناء في غزة تعتمد على المواد المهربة عبر الأنفاق.
وقال أشرف العالول، وهو سائق لدى منظمة غير حكومية دولية، وأحد الآلاف من سكان غزة الذين هم بصدد بناء منازل: "منذ أن بدأت المشاكل في مصر، تضاعفت أسعار الأسمنت والحصى. فقد بلغت تكلفة الطن الواحد من الأسمنت 520 شيكلاً إسرائيلياً جديداً [140 دولاراً] الأسبوع الماضي. اليوم، اشتريت طناً بمبلغ 1,100 شيكل (296 دولاراً). لا يستطيع أحد هنا شراء مواد البناء بهذا السعر. أعتقد أن كل أعمال البناء ستتوقف حتى يرى الناس ما ستؤول إليه الأمور".
pg/he/oa/cb-ais/dvh