عندما فتحت أول مدرسة لتدريب القابلات، والتي لا تزال الوحيدة في هذا المجال منذ عام 2004، في مدينة باميان وسط أفغانستان، لم يتم تقديم ولو طلب واحد للالتحاق بالدورة الدراسية التي تستمر لمدة 18 شهراً. أما اليوم، تجد المدرسة نفسها مضطرة لرفض عشرات الطلبات المقدمة من النساء في جميع أنحاء الإقليم بسبب عجزها عن استيعاب أكثر من 25 طالبة في كل مرة.
وفي هذا السياق، قالت صالحة حمنافازادة، منسقة مدرسة تدريب القابلات في باميان: "لقد نجحنا في الحصول على ثقة الناس في عملنا...بعد أن خلقنا بيئة تعليمية موثوق بها للنساء وأعطينا رجالهن يقيناً بأن نساؤهم ينعمن بالأمان والحماية الكاملة هنا".
وقد حدت التقاليد المحافظة في أفغانستان من قدرة النساء والفتيات على الالتحاق بالتعليم أو العمل أو الاستفادة من خدمات الرعاية الصحية وغيرها من الأنشطة الاجتماعية الأخرى في جميع أنحاء البلاد، وإن كان ذلك بمستويات مختلفة من منطقة إلى أخرى.
وعادة ما تُمنَع النساء والفتيات من الذهاب إلى المراكز الصحية أو المدارس بسبب نقص الموظفات الصحيات أو المعلمات. ونتيجة لذلك، تموت حوالي 24,000 امرأة سنوياً قبيل أو أثناء أو مباشرة بعد الولادة بسبب عدم توفر الرعاية الطبية المناسبة. كما تعتبر نسبة الأمية بين الإناث واحدة من أعلى النسب في العالم حيث تصل إلى أكثر من 85 بالمائة، وفقاً لمنظمات الأمم المتحدة.
كسر الحواجز
وقالت معصومة، إحدى الطالبات في مدرسة تدريب القابلات: "أريد أن أتحدى المحرمات الخرافية المنتشرة في مجتمعنا والتي تعيق تعلم المرأة وعملها... لقد شهدت وفاة اثنتين من أخوات زوجي خلال المخاض بسبب عدم توفر قابلة أو طبيب لإنقاذ حياتهما". غير أن عمل القابلة أصبح يعتبر عملاً شريفاً ومربحاً بالنسبة للنساء خصوصاً في المناطق القروية إذ قال رجل من باميان طلب عدم ذكر اسمه: "تعمل القابلة للنساء فقط ولذلك فإن عملها أصبح مقبولاً".
وقد ارتفع عدد مدارس تدريب القابلات في البلاد من ست مدارس عام 2002 إلى 31 مدرسة عام 2009، وفقاً لبشتون أظفر، مديرة الجمعية الوطنية للقابلات. ومنذ عام 2002، تم تدريب أكثر من 2,000 قابلة وإدراجهن في العمل مع وزارة الصحة والمنظمات غير الحكومية في مراكز صحية عبر مختلف أنحاء البلاد.
خفض الوفيات
ويعتقد أن القابلات قد تمكنّ من تحسين قدرة النساء على الحصول على الخدمات الصحية الأساسية وخفضن نسبة الوفيات النفاسية في بعض مناطق البلاد. وقالت زينات رضايي، وهي طبيبة نساء وولادة في مستشفى باميان متحدثة عن المستشفى التي تعمل فيه: "لقد انخفضت نسبة الوفيات النفاسية بنسبة 50 بالمائة".
فخلال عام 2004، كانت المراكز الصحية في المناطق القروية في باميان تشهد ولادة طفلين إلى أربعة أطفال شهرياً. أما اليوم فقد ارتفع هذا العدد ليصل إلى 35 طفلاً شهرياً بفضل وجود 41 قابلة مدربة في الإقليم. كما ارتفع عدد الولادات بمستشفى مدينة باميان من 30 مولوداً شهرياً عام 2004 إلى أكثر من 130 مولوداً شهرياً عام 2009، حسب رضايي.
كما ارتفع عدد النساء اللواتي يحصلن على الرعاية الصحية لما قبل الولادة في جميع أنحاء البلاد من 4.6 بالمائة في 2002 إلى 32 بالمائة عام 2006، في حين ارتفع عدد الولادات التي تتم بمساعدة عاملة طبية مدربة من 8 بالمائة إلى 19 بالمائة خلال الفترة ذاتها، وفقاً للجمعية الوطنية للقابلات.
الصورة: أكمل داوي/إيرين |
لا تزال هناك حاجة لحوالي 8,000 قابلة إضافية حتى يصبح بالإمكان تقديم خدمات التوليد الأساسية لكل النساء الأفغانيات |
ويرى مسؤولون بوزارة الصحة أن الوقت قد حان لإعادة تقييم نسبة الوفيات النفاسية بأفغانستان التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث السوء بعد سيراليون. وقد أفاد المسح الوطني لعام 2006 أن نسبة الوفيات النفاسية بالبلاد تصل إلى 1,600 وفاة لكل 100,000 ولادة حية. وقالت أظفر، التي ترأس في الوقت نفسه مدرسة تدريب القابلات في كابول: "نحتاج لتقييم جديد لرؤية مدى انخفاض النسبة".
لا حل سريع
وتعاني أفغانستان من واحدة من أعلى نسب الخصوبة في آسيا حيث تنجب المرأة في المتوسط ستة إلى سبعة أطفال خلال سنين عمرها، وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان. ويوجد في البلاد حوالي 2,400 قابلة ولكن لا تزال هناك حاجة لحوالي 8,000 قابلة إضافية حتى يصبح بالإمكان تقديم خدمات التوليد الأساسية لكل النساء الأفغانيات، حسب الجمعية الوطنية للقابلات.
وشرحت أظفر قائلة: "نحن نقوم بتدريب ما بين 300 إلى 400 قابلة كل سنة في 31 مدرسة بمختلف أنحاء البلاد"، مضيفة أنه سيتم فتح مدرسة جديدة بنهاية عام 2009 في باكتيكا حيث لا يتوفر إلا القليل من الخدمات الصحية الأساسية للنساء.
وسيستغرق تدريب 5,600 قابلة إضافية اللواتي تحتاجهن البلاد ما لا يقل عن 14 عاماً. وحتى ذلك الحين ستظل آلاف النساء تفقدن أرواحهن لأسباب يمكن تلافيها.
"